رحلة آثام منال سالم
وجهها إلا قدرا معقولا من مساحيق التجميل ولم تترك شعرها منسابا بل جمعته كعكة واكتفت بارتداء أحد أثواب عملها الرسمية. ترفعت في الرد على ضيوف والدتها ومنحتهم المقتضب من الكلام بعدما جلست مجاورة
لعريسها المرتقب تطالعه بنظرات دونية غير راضية. ظنت عقيلة أن الزيارة ستمضي على ما يرام إلى أن وجهت ابنتها سؤالها ل شفيق بتحفز غامض
تلجلج وهو يخبرها بشكل ملحوظ
احنا في الأول هنسكن في أوضة هنا آ...
صدمها بردها الهادم لكل أحلامها المبنية على عيشة الرغد والرفاهية لهذا قاطعته فجأة بنبرة حادة جعلت الجميع يتوقعون الأسوأ
أوضة!!
ما أنا ماسك مقاولة في عمارة جديدة وصاحب العمارة واعدني هاخد شقة لما العمارة تتشطب.
كټفت ساعديها أمام صدرها ووضعت ساقا فوق الأخرى وهي تسأله بصيغة تهكمية
أخرج شفيق منديلا قماشيا من جيب بنطاله جفف به عرقه المتجمع عند جبينه وأجاب وهو يرفرف بجفنيه
ما أنا بقول هناخد حاجة محندقة كده لحد ما ربنا يعدلها.
سددت له تهاني هذه النظرة المخيفة فما كان منه إلا أن اقترح بنزق
ولو عاوزة نسكن مع أمي فهي معندهاش مانع...
ثم الټفت تجاه والدته يستأذنها
أومأت برأسها وهي تؤكد له
وماله البيت واسع ويساع من الحبايب ألف.
أتى تعقيب تهاني جافيا قاسېا وهي تحدج كليهما بنظرات ڼارية متعالية
أنا ما بسكنش مع حد!!!
سرعان ما تراجع شفيق عن اقتراحه وقال متمسكا بأمله المعقود عليها في الظفر بها كزوجة مناسبة
يبقى نشوف حاجة على أدنا وده وضع مؤقت زي ما قولت.
انتقلت تهاني لسؤالها التالي بوجه مشدود
ألقى نظرة سريعة تجاه والدته وعاود التطلع إليها وهو يجاوبها
الحمدلله أنا راجل كسيب والقرش بيجري في إيدي.
هنا جاء تعليقها متعاليا وبه شيء من الإهانة إليه
بس إنت شايف إنك مناسب ليا
أحس بانتقاص قدره من كلامها الموحي وسألها مباشرة ليتأكد من ظنونه
مش فاهم عدم اللامؤاخذة!
أوضحت له ببساطة
ثم أعطته هذه النظرة الاحتقارية قبل أن تختتم جملتها
نقاش!
عندئذ تكفلت والدته بالرد عليها بعصبية ظاهرة في صوتها
الراجل مايعبوش إلا جيبه.
التفتت تنظر إليها بغرور وهي تكلمها
ده بمفهوم زمان لكن دلوقتي الوضع اتغير في معايير تانية لاختيار الزوج...
ثم حولت ناظريها نحو شفيق متابعة
هبت والدته واقفة وهي توجه عتابها لصاحبة البيت
هو احنا جايين نتهزق هنا ما تقولي حاجة يا ست عقيلة.
نهضت هي الأخرى بدورها وصاحت في ابنتها
جرى إيه يا تهاني بالراحة شوية! مش كده.
ببطء مغيظ قامت تهاني من مقعدها لترد ببرود جعل الجميع يستشيط ڠضبا
أنا بحط النقط على الحروف وأظن ده من حقي زي ما هو اتفرج ونقى واختار العروسة المناسبة ليه أنا كمان من حقي أشوف العريس اللي يليق بيا.
خرجت والدة العريس عن طور هدوئها لتهدر في ابنها بحنق مبرر
قولتلك من الأول دي شايفة نفسها وماتنفعكش.
وجه نظرة ڼارية نحو تهاني قبل أن يومئ برأسه هاتفا وهو يهم بالرحيل
الظاهر كان معاكي حق بينا يامه.
ضړبت عقيلة كفها بالآخر وهي تردد بتحسر بائن على كامل ملامحها
لا حول ولا قوة إلا بالله هاقول إيه بس.
ما إن خرج شفيق من المنزل حتى صفق الباب خلفه بقوة لترتج أركان المنزل لامتها فردوس في التو بعبوس متجهم
عاجبك كده
جلست بأريحية في مكانها وعلقت باسمة بزهو
الباب اللي يودي.
كادت مقلتاها تبرزان وهي تزيد من عتابها لتشعرها بفداحة خطئها
ده عريس لقطة صعب يتعوض!!
قوست شفتيها مغمغمة في هدوء بارد
اتجوزيه إنتي.
بحزن بدأ يحتل تعابيرها جلست فردوس على الأريكة وقالت پألم
يا ريته كان جاي عشاني بس كل اللي بيجي هنا البيت عايزك.
تطلعت شقيقتها ناحيتها في استعلاء قبل أن تخبرها
وأنا مش هرضى بأقل من اللي أستحقه!
رمقتها فردوس بنظرة يائسة ما لبث أن تحولت للقهر حين أتمت جملتها
الرخيص
ما يرضاش إلا بالرخيص.
حاولت لملمة ما تبعثر من كرامتها فنهضت من مجلسها وردت بنبرة جريحة
خليكي إنتي بصة كده للعلالي لحد ما تقعي على جدور رقبتك تتكسر وساعتها مش هتلاقي غير الرخيص يداويكي.
تركتها بمفردها وابتعدت وهي تذرف الدموع الحاړقة من عينيها تأملتها والدتها بنظرة متعاطفة قبل أن تتجه إلى ابنتها الناقمة وقفت قبالتها وشملتها بنظرة غاضبة لتستطرد بعدها
أنا مش عارفة أقولك إيه على الفضايح دي!!
حافظت تهاني على ثبات بسمتها الصغيرة حين ردت وهي تقوم واقفة
ولا فضايح ولا حاجة ده عرض وطلب وطلبه مرفوض!
لوحت عقيلة بيدها في الهواء مكملة بنفس الصوت الغاضب
أنا غلبت معاكي ومعنتش هتحشرلك في حاجة.
ردت عليها بهدوء
يا ريت وعموما هي كلها فترة صغيرة وأسيب لكم الدنيا وأمشي.
تفاجأت بعزمها على السفر بعيدا فاحتدت نظراتها إليها وهي تسألها
كمان إنتي برضوه مصممة على كده
أجابت مؤكدة بتصميم أظهر عدم تراجعها مطلقا
ده مستقبلي ومش هضيعه!
بدأت أنفاس عقيلة تضطرب وسألتها في انفعال مستنكر
تقومي تتغربي لوحدك في بلد الله أعلم هيحصلك فيها إيه وإنتي مش معاكي حد!!
بعجرفة ما زالت تسود فيها ردت
أنا مش صغيرة وعارفة كويس مصلحتي فين ومع مين...
ثم ركزت بصرها عليها لتتابع دون أن يرف لها طرف
ومش هسمح لحد يمنعني أو يقف في طريق أحلامي.
بدا ما تفصح عنه كالنكبات التي تحدث المزيد من التصدعات في علاقتها الأمومية بها وكأن الفجوة بينهما تزداد اتساعا. تنهدت بعمق وسألتها في صوت شبه لائم
هتبعدي عن أمك
لم تعلق بشيء مما أوغر صدرها وجعله يمتلأ بالكمد والألم نظرت لها شزرا ورددت وهي تغادر من أمامها
يا ألف خسارة عليكي روحي الله يهديكي لحالك.
رغم شعور الضيق الذي اجتاحها لحظتها إلا أنها تغلبت على مشاعر الضعف هذه وهتفت مع نفسها بإصرار معاند
بكرة يعرفوا قيمتك.
وهل في الهروب كل الحلول أم أنها البداية للابتعاد وإن عنى ذلك السقوط في چحيم المجهول لم تظن أن الوقت سيمضي بها سريعا لتصل إلى لحظتها المنشودة حيث أصبحت تتواجد في صالة المغادرة بالمطار استعدادا لإكمال باقي الإجراءات الخاصة بسفرها للخارج. وقفت تهاني إلى جوارها رفيقتها تتفقد الأوراق التي بحوزتها لتتأكد من عدم نسيانها لشيء ألقت بعدئذ نظرة سريعة على الحقيبة الجديدة والتي قد ابتاعتها لتضع فيها ثيابها الجيدة لتمنحها مظهرا مهندما بعدما تخلصت من القديم وغير الملائم وتممت على غلق السحاب بها.
استقامت وافقة وزفرت دفعة من الهواء وهي تبتسم بنشوة عارمة عادت لتنظر ملء عينيها لرفيقتها وخاطبتها في سعادة أكبر
ياه أنا مش مصدقة إن اللحظة دي جت.
منحتها نهاد نظرة داعمة فأكمل حديثها المتحمس إليها وداخلها يقفز طربا
كنت قربت أفقد الأمل معقول الحلم بقى حقيقة
أشارت بيدها مؤكدة
بصي حواليكي إنتي النهاردة هنا في المطار وكلها شوية وتبقي برا البلد خالص.
استنشقت الهواء بعمق وردت
مظبوط.
تلفتت نهاد حولها بنظرات حائرة قبل أن تثبت عينيها عليها لتسألها
بس هو محدش جه معاكي يودعك
وقتئذ ارتبكت تهاني قليلا وحمحمت مرددة بإيجاز غامض
لأ...
نظرت إليها بتعجب أكبر يشوبه الاستفهام لذا حفظا لماء الوجه رسمت بسمة زائفة على محياها وتكلمت
أنا أصلا مابحبش لحظات الوداع دي وصممت أجي لوحدي.
هزت رأسها بتفهم بالرغم من عدم اقتناعها بتبريرها الواهي مالت ناحيتها ټحتضنها وهي توصيها
خدي بالك من نفسك يا تهاني وابعتيلي أول بأول عشان أطمن عليكي.
تراجعت عنها قائلة
حاضر.
ثم مدت يدها لتمسك بحامل الحقيبة وأضافت
الوقت أزف يدوب ألحق أخلص الإجراءات قبل ما أطلع الطيارة.
ربتت على ذراعها هاتفة وهي تهز رأسها خفيفا
ماشي يا حبيبتي أشوف وشك بخير.
لوحت لها تهاني بيدها لتتابع المسير نحو البوابة الزجاجية وعيناها
تتحرقان شوقا لما اعتبرته مستقبلها المشرق أخذت تردد في طيات نفسها وهي تنخرط بين جموع المسافرين المتجمعين عند أماكن مراجعة الأوراق
الحياة أكيد هتضحكلك إنتي تستحقي ده كفاية فقر بقى وضنك !!!
يتبع الفصل الثاني
الفصل الثاني
إنها الصدفة
التجول بغير هدى في مكان ممتلئ بمئات الأشخاص الغرباء عنها جعلها تشعر بقدر من الرهبة يتسلل إليها. قاومت ما اعتراها من قلق وتوتر وتابعت مشيها المتأني نحو طابور مراجعة الأوراق ناولها الموظف جواز سفرها بعد وضع الختم عليه فانتقلت إلى الصالة الداخلية وبحثت عن مكان تجلس به ريثما تسمع النداء الخاص بالصعود على الطائرة. لم تكن ذات صلة جيدة مع باقي أفراد بعثتها بالكاد تربطها بهم مجرد عبارات عابرة ورسمية لهذا وجدت صعوبة في الانخراط معهم انتقت عيناها بقعتها المنشودة بعيدا عن الصخب المحيط بها لهذا أسرعت الخطى تجاهها واستقرت جالسة بمفردها وهي تحرر زفيرا طويلا من رئتيها.
راحت تهاني تنظر إلى من حولها بشيء من الخۏف الممزوج بالحزن كم تمنت أن تجد عائلتها إلى جوارها تشد من أزرها في لحظات الفراق العصيبة! لكن ما تذكره قبل خروجها من المنزل شجارها مع والدتها ونظرات القهر في عيني شقيقتها. ألقت وراء ظهرها هذه المشاعر المحبطة ونفضت عن تفكيرها ما يعيق أحلامها وراحت تخاطب نفسها
بكرة يعرفوا إن كان معايا حق.
لفظت الهواء بعمق من صدرها وهي تلمح ظل أحدهم يحل عليها قبل أن تجده يستقر بجوارها نظرت بطرف عينها لهذا الغريب الذي أفسد عليها عزلتها لم يلق لها بالا وانشغل بمطالعة ما بحوزته من مجلة ما. رفعت يدها نحو جانب رأسها تسوي شعرها وركزت بصرها على الجواز الموجود بيدها. ظل الصمت مخيما بينهما
مافيش حد بيبيع مياه هنا
وجدت شريكها في المقعد يمد يده بزجاجة بلاستيكية مغلقة ناحيتها مرددا
اتفضلي.
تفاجأت من تصرفه واعتذرت في حرج
لا شكرا مافيش داعي...
ثم نهضت من موضعها متابعة بلهجة اتخذت طابعا رسميا
أنا هشوف في أي مكان هنا.
أصر عليها بلباقة رافعا يده للأعلى بالزجاجة وهذه الابتسامة الصغيرة تزين صفحة وجهه
دي زيادة معايا ومقفولة.
أوشكت على الاعتراض لكنه أبدى تصميما فاقها عنادا
مش هاقبل بالرفض دي حاجة بسيطة.
أمام ما اعتبرته ذوقه اللطيف استسلمت خاصة أن مظهره المهندم والرسمي أوحى برقيه وعدم انتمائه لطبقة عامة الشعب الكادحة فأمثاله من الأثرياء لن يحاولوا استمالة إحداهن بواحدة من الطرق . قبلتها منه قائلة بوداعة وقد ارتخت تعابيرها المشدودة نوعا ما
شكرا على ذوقك.
عاودت الجلوس وراحت ترتشف من المياه المعدنية القليل نظرت ناحيته مرة أخرى عندما سألها
أول مرة تسافري
أجابت بحذر
أيوه.
لاحقها بسؤاله التالي بطريقة أوحت برغبته في التودد إليها
فسحة ولا شغل
حاولت الحفاظ على جديتها وهي تجيب مقتضبة
بعثة!
مط فمه معلقا في إعجاب
بعثة! واضح إنك من المتفوقين.
تنحنحت هاتفة في تهكم طفيف
بيقولوا.
ترك المجلة من يده ووضعها جانبا ثم سألها باهتمام
خريجة إيه
تنهدت قبل أن تجاوبه
علوم.
استدارت بجسدها نصف استدارة وسألته في تحفز يشوبه الضيق
حضرتك سألتني كتير وأنا معرفش حاجة عنك.
على عكسها تماما كان مسترخيا لأبعد الحدود وكأنه اعتاد على محاولات الصد والرد من النساء لكنه كان لا يستسلم أبدا فله طريقته الاحترافية في جذبهن إليه للظفر بما يريد. انتصب في جلسته ووضع ساقا فوق الأخرى