الجمعة 27 ديسمبر 2024

رحلة آثام منال سالم

انت في الصفحة 6 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز

 


واهتمام كما راحوا يعملون كالنحل في خليته لتدوين كل ما يملى عليهم من معلومات قيمة ومفيدة لئلا يفوتهم أي مستجد طرأ على الساحة العلمية. بعد ساعات متصلة من التركيز والمتابعة حصل الجميع على وقت للاستراحة وإعادة شحن طاقاتهم المستهلكة. تجولت ابتهال بصحبة تهاني في أروقة المكان لتفقده لاحظت كلتاهما كيف امتاز الحرم الجامعي بالعراقة والفخامة فغمرهما شعوري الانبهار والفخر فقد كان من النادر الظفر بفرصة كتلك.

تناثر الطلبة بين الأروقة وعند القاعات المخصصة للدراسة غالبيتهم كانوا من الشباب الذكور قلما رأوا شابات يافعات بينهم اربد وجه ابتهال بنضارة متحمسة ومالت على رفيقتها تهمس لها بعينين لامعتين تحويان لهفة طامعة وهي تتأمل حلقة الشباب القريبة منهما
شايفة الدكاترة اللي هناك دول
رمت تهاني نظرة عابرة على هذه المجموعة التي مرت من جوارها ولم تعقب بشيء بينما بقيت أنظار رفيقتها معلقة بمن في هذه المجموعة من شباب منهمك في النقاش. أطلقت ضحكة خاڤتة وأضافت مازحة
المفروض الواحد يطلع من البعثة دي بعريس محترم من دول.
توقفت تهاني عن المشي وهذا التعبير المتجهم مرسوم على وجهها رمقتها بنظرة حادة قبل أن تسألها بلوم
هو إنتي جاية تدرسي ولا تنقي عريس
أخفت شفتيها المبتسمتين خلف ظهر كفها وصرحت لها بخفوت
بيني وبينك أنا عاوزة أشوف عريس لقطة هنا ما هو التعليم موجود هيروح مننا فين.
غمغمت في تأفف
فعلا كل واحد ودماغه.
تساءلت ابتهال وهي تضبط ياقتي بلوزتها الوردية
هو إنتي معايا المحاضرة الجاية
زفرت الأولى الهواء بصوت مسموع وكأنها تزيح حملا ثقيلا عنها قبل أن تجيبها بهذه الابتسامة العريضة
الحمدلله لأ.
عبست الأخيرة قائلة بضيق
يا خسارة أه لو كنا نفس التخصص مكوناش فرقنا بعض للحظة.
برقت عينا تهاني لحظيا ورددت بين جنبات نفسها وهي تسرع في خطاها لتبتعد عنها
دي كانت تبقى مصېبة تانية.
لم تنكر أن شعور النفور نشأ بداخلها تجاهها منذ اللحظة الأولى لم تستسغ صداقتها ولم تحبذ توددها اللزج إليها بالكاد حاولت التأقلم مع وجودها المفروض عليها إلى أن يحين الوقت وتنفصل كليا عنها.
بتوقير واضح في تصرفه معه انحنى ناحيته ليسحب بروية الملف من أسفل يده بعد الانتهاء من توقيعه ثم وضع آخر ليقوم بمراجعته بتدقيق قبل أن يذيله في النهاية بتوقيعه. استقام سامي واقفا وتأكد من إعطاء والده كل الملفات المطلوبة قبل أن يدير في رأسه عندما سأله
أخوك سافر خلاص
أجابه بحذر وهو يستدير حول المكتب ليجلس في المقعد المقابل له
أيوه أنا وصلته بنفسي للمطار.
لم يكن سامي قد استراح بعد في جلسته على المقعد حين مد والده يده برزمة من الأوراق ناحيته وصوته الآمر يردد
عايز الملفات دي تتراجع وتجيلي تاني النهاردة.
سأله مستغربا وهو يأخذها
منه
ليه فيها حاجة مش مظبوطة
بدا وجهه جليديا ونبرته خشنة وهو يخاطبه بحزم
نفذ اللي قولتلك عليه من غير نقاش.
كان يعلم أنه ېهدد علنا لمرة واحدة وفي الأخرى تجده قد نفذ ما هدد به بجهد جهيد أخفى ضيقه من تسلطه ليقول بخنوع
حاضر.
نهض بعدئذ من موضعه استعدادا لمغادرة غرفته لكن صوته الأجش استوقفه قبيل الباب متسائلا
عملت إيه في الأرض اللي طلبت منك تخلص ورقها
تجمدت أصابعه على المقبض للحظة جعلت الارتباك القلق يتناوب عليه ازدرد ريقه وجاوبه وهو يدير رأسه ببطء لينظر إليه
معدتش فاضل غير التراخيص.
أخبره في صوت جاف صارم
عاوز أسمع إنك بدأت بنى فيها...
أومأ برأسه مبديا طاعته له لكن ما لبث أن ارتسم الخۏف على تقاسيمه وهو يتم جمله بټهديد آخر صريح
أي تقصير هحاسبك إنت!!!
مرة ثانية بلع ريقا غير موجود في جوفه وقال بتلبك
على طول يا بابا.
طرقة حانقة على السطح الزجاجي جعلته يتصلب في مكانه توجسا أتبعها صياح والده المحتج
طالما احنا في الشغل تقولي فؤاد باشا كام مرة هنبه عليك بده
اهتزت شفتاه وهو يقول
حاضر يا فؤاد باشا.
في التو خرج من الغرفة وهو يتمنى ألا يكون والده قد لاحظ ارتباكه فالأخير من النوع المرتاب المشكك الذي لا يترك شيئا دون التدقيق فيه أو مراجعته فماذا ستكون عاقبته إن علم بما حاز عليه من ربح خفي جراء قطعة الأرض التي ابتاعها وأوهمه بغلاء سعرها!!
اعتصرت الخرقة بعدما انتشلتها من الدلو تمهيدا لمسح أرضية المطبخ ليصبح المكان نظيفا لا تتراكم به البقايا أو المخلفات عند الأركان وأسفل الموقد العتيق. حملت بعدئذ الدلو واتجهت به إلى الحمام لتفرغ ما فيه من ماء متسخ في البالوعة ثم أعادته إلى موضع تخزينه وسارت ناحية المطبخ لتعطي نظرة أخيرة على وعاء الطهي استنشقت بعمق الرائحة الطيبة للملفوف الشهي وأغلقت الڼار تاركة الغطاء غير محكم عليه. انتبهت إلى صوت أمها المنادي من الخارج
يا فردوس!
تحركت بتؤدة نحو عتبة المطبخ وهتفت ترد
أيوه يامه.
سألتها من بعيد بنفس النبرة العالية
المحشي خلص
أجابتها من موضع وقوفها
أنا طفيت الڼار عليه وسيباه يتهوى.
أمرتها بما أصابها بقليل من الحيرة الممزوجة بالدهشة
جهزي طبق كده وصاية لخالتك أفكار.
لم ترهق عقلها بالتفكير اكتفت بحك جانب عنقها قائلة بلا نقاش
من عينيا دقيقتين ويكون جاهز. 
انشغلت في ملء الصحن وإعداده بقطع الملفوف اللذيذة لكنها تخشبت في مكانها للحظة عندما تابعت والدتها تعليماتها إليها
عاوزاكي تلبسي حاجة كويسة كده من دولاب أختك.
استدارت نصف التفاتة برأسها تجاهها وسألتها بملامح حائرة ونظرة مستفهمة
ليه
أجابت بغموض زاد من حيرتها
هتعرفي بعدين.
كعادتها لم تتجادل معها أو حتى تسعى لتقصي حقائق الأمور قالت في انصياع معتاد منها
ماشي يامه.
ملت من كثرة ساعات الدراسة وقلة أوقات الراحة فأصابها الصداع وجعل رأسها يطن كما لو كانت هناك نحلة نشيطة تسكنه لا تكل من العمل المتواصل. بغير استئذان تأبطت
ذراع تهاني وسارت متثاقلة الخطى في الرواق تستند عليها بأريحية تامة وكأن بينهما صداقة ممتدة لسنوات بدت غير منتبهة للضجر الظاهر على وجه رفيقتها وراحت تشكو إليها بإرهاق واضح
ياني على ۏجع الدماغ ده كله لوك لوك كده من صباحية ربنا إيه مابيفصلوش.
انزعجت الأخيرة مما اعتبرته لزاجتها المنفرة وانتشلت مرفقها من تحت يدها بصعوبة لتسرع في خطواتها وكأنها تفر منها فحاولت الأولى اللحاق بها وهي تسألها
إنتي رايحة فين كده
أجابت مندفعة نحو الأمام ودون أن تلتفت إليها
هشوف مكان التدريب.
انقلبت سحنتها هاتفة في تأفف وقد تمكنت من بلوغها
يا خسارة كان نفسي نكون سوا.
حانت من تهاني نظرة جانبية من طرف عينها قبل أن تسمعها
الحمدلله.
استغربت من كلامها وسألتها بحاجبين معقودين
الحمدلله على إيه
المماطلة أو المراوغة معها لن يأتي بجدواه أبدا عليها أن تكون مباشرة وواضحة إذ ربما تعي في نهاية الأمر أن صداقتهما ليست كما تظن دائمة مستديمة وإنما فرضت عليها بحكم الواقع ولهذا عليها أن تضع الحدود في علاقتهما معا. توقفت تهاني عن السير لتستدير ناحيتها وبدأت تكلمها بتعابير جادة
ابتهال يا حبيبتي أنا عاوزاكي تعتمدي على نفسك ماتفضليش لازقة كده في الناس عشان ما يزهقوش منك.
علقت مستنكرة حديثها
وهو في حد يقدر يستغنى عن هزاري وفرفشتي
إنتي واحدة ناضجة والمفروض تكوني مستقلة.
احنا في غربة ولازم نكون إيد واحدة.
هناك فرق بين التعاون مع الآخرين وبين ملازمتهم كظلهم ليل نهار غير تاركين أي متنفس لهم أدركت تهاني أن محاولة إفهامها طبيعة مشكلتها لن يكون بالأمر اليسير فأثرت الذهاب وهتفت مشيرة بيدها نحو الفراغ
الظاهر العربية اللي مستنياني جت سلام.
سألتها من خلفها بشكل آلي غير مانحة نفسها الفرصة لسماع أي جواب
طب هترجعي إمتى وهناكل سوا ولا هتتأخري والغسيل هنعمل في إيه ده احنا المفروض نشوف نقصدنا إيه من الطلبات ونجيبه 
تجاهلتها كليا وزادت من سرعة خطواتها فنادتها عاليا
يا تهاني! ردي عليا! طب المحاضرات ال ....
سدت أذنيها عنها رافضة الإنصات لما تردده من بعيد إلى أن خرجت من البوابة الرئيسية حينئذ تنفست الصعداء وهتفت مبرطمة بصوت خفيض كأنما تخاطب نفسها
يا ساتر يا رب بجد إنسانة تخنق وتخليك تخرج عن شعورك.
إدراكها بأن قطار العنوسة ېهدد فرص زواجها جعلت همومها تزداد يوما بعد يوم خاصة أن ابنتها افتقرت لمسحة من الجمال الجذاب الذي يسلب عقول الرجال ويجعلهم يتلهفون شوقا على الارتباط بها ومع ذلك امتلكت سمات أخرى محمودة في الزوجة من كونها مدبرة جيدة تجيد الطهي والتنظيف ولينة سهلة التشكيل طوع بنان من يملك زمام أمرها لهذا لجأت للمتعارف عليه من الطرق التقليدية لعل وعسى تجد الزوج المناسب لها في الأخير وإن كان فقيرا معدما لن تمانع مطلقا أو تضع العقبات لتزويجها ستفعل المستحيل لتراها مستقرة مع أحدهم.
اصطحبت عقيلة ابنتها معها لزيارة شقيقتها القاطنة
على مسافة قريبة من مسكنها فاستقبلتهما الأخيرة بترحاب حار وودود جعل اللقاء بها ممتعا. جلست الشقيقتان متجاورتان على مصطبة قديمة مجاورة للشرفة تضحكان في ألفة ومحبة عاتبت أفكار شقيقتها الصغرى بنظرة حانية وهي تشير إلى ما أحضرته معها مما لذ وطاب
مكانش ليه لازمة التعب ده هو أنا غريبة.
أبدت اعتذارها منها بلطافة وهي تربت على فخذها برفق
ده أنا مقصرة معاكي ياختي أديلي زمن ما شوفتكيش.
ثم أعطت ابنتها أمرا واضحا
قومي علقي على الشاي يا دوسة.
مسحت الأخيرة على جانبي الثوب الذي ترتديه لتفرده وهي تنهض وقالت مبتسمة
حاضر يامه.
استطاعت الانفراد بشقيقتها بعد أن صرفتها لئلا تساورها الشكوك وهي تستفيض في الحديث معها. استهلت عقيلة كلامها متسائلة بشكل روتيني
وإنتي إزاي صحتك دلوقتي
أجابت باسمة في رضا
في نعمة والحمدلله.
كان التعليق التالي منها مصحوبا ببسمة مماثلة
يستاهل الحمد.
تولت أفكار دفة الحديث مجددا فمال ناحية شقيقتها تسألها باهتمام
مافيش جديد عن بنتك تهاني
هزت رأسها نافية وهي تجيبها
لا لسه أدينا مستنين منها مكالمة ولا جواب تطمنا بيه على أحوالها.
عاتبتها وهي مقطبة الجبين
مكانش لازم تسبيها يا أم تهاني السفر للبنات مش حلو...
ثم خفضت من نبرتها خاتمة جملها بتحذير أصاب قلبها بارتجافة متوجسة
وإنتي أدرى الناس باللي بيحصل ولو غاب الرقيب.
ردت برجاء
إن شاءالله ما يحصلش حاجة أنا اللي مطمني إن العلم واكل دماغها.
أخفت عقيلة قلقها الذي انبثق بداخلها لتنظر إلى ابنتها عندما عادت وهي تحمل صينية بها أكواب الشاي تكملت الأخيرة باسمة وهي تناول الكوب الزجاجي لخالتها
الشاي أهوو يا خالتي...
ثم أعطت والدتها خاصتها وتابعت مشيرة بيدها الأخرى الطليقة كأنما تشرح لها
وابور الجاز عاوز يتصلح مرضاش يولع خالص.
ارتسم العبوس على وجه أفكار وهي تفسر لها سبب عطله
ده بقاله يومين على الحال ده عاوزة أشوف حد يبص عليه ده إيدي ورجلي هنا لأحسن مبقدرش أقف على البوتجاز كتير.
من تلقاء نفسها اقترحت عقيلة
نوديه عند أبو منسي هو أجدع واحد يسلك بوابير الجاز.
استحسنت شقيقتها الفكرة وعاودت النظر إلى فردوس عندما وجهت أمها إليها الحديث بصيغة شبه آمرة
ابقي جهزيه يا دوسة ناخده معانا واحنا نازلين.
أبدت طاعتها المعتادة عندما ردت
حاضر يامه.
دعت لها خالتها وهي تبتسم لها
نتعبلك كده نهار فرحتنا بيكي يا غالية.
تورد وجهها من الخجل وقالت وهي تجلس في الخلف على الكرسي الخشبي
تسلميلي يا خالتي.
تسامر بعد ذلك ثلاثتهن في مواضيع
 

 

انت في الصفحة 6 من 80 صفحات