رواية رحلة اثام بقلم منال سالم
حرص مهاب على شراء الأفخم من الثياب لها لتكون لائقة بها!
حين اختلست النظر إليه وجدته يفوقها في تأنقه فقد ارتدى بدلة رمادية لامعة ومن أسفلها قميصه الأبيض الأنيق أما شعره فكان مرتبا قصيرا وذقنه حليقة يفوح العطر الأخاذ من جلده أما في معصمه فقد وضع ساعة يد تنتمي لماركة شهيرة بإيجاز شديد كان وسيما للغاية!
بدأت الإجراءات بشكل هادئ وفي حضور محدود العدد تضمن المقربين فقط من بينهم بالطبع كان ممدوح الصامت الواجم فما يراه الآن فاق حد الخيال أو التصور لقد بلغت المنافسة أشدها ليفعل رفيقه ما استبعد حدوثه من قاموسه غير الأخلاقي لكنه كان متأكدا في أعماقه أن ذلك الوضع لن يدوم كثيرا فالطبع يغلب التطبع ومهاب يميل للاستحواذ والتملك لما يعجز عن بلوغه فما إن صار في يده حتى تركه بعد أن يقضي حاجته منه لذا أقنع نفسه بتعقل أن المواجهة لم تحسم بعد كما يظن بل إنها بدأت لتوها.
دي حياتي أنا مش هما.
استحضرت في
ذهنها لمحات خاطفة عن مضمون المكالمات الموجزة مع أمها وشقيقتها كلتاهما كانتا تقرران المصائر دون انتظار حتى إطلاعها أو حتى الأخذ في الاعتبار برأيها السديد ظلت تحادث نفسها بلا صوت
وقعي هنا يا دكتورة.
للحظة واحدة فقط ترددت لكنها غالبت ما اعتراها بقوة ومدت يدها لتمسك بالقلم الحبري نظرت تجاه مهاب المتأمل لها بنظرة طامعة في الظفر بكل ما تمنته طوال حياتها وها قد أوشكت على نيله. ارتخت تعبيراتها المشدودة وقالت بابتسامة رقيقة مملوءة بالشغف
حاضر.
استطرد المأذون متحدثا من جديد فور أن انتهت من التوقيع
من فوره تحرك ممدوح للأمام وقال باسما وبنبرة موحية وعيناه تتحولان نحو رفيقه ليرمقه بهذه النظرة الغريبة
مش محتاج تقول أنا جاهز.
التقط مهاب نظرته ذات المغزى فبادله بأخرى ظافرة مغترة قبل أن يشير له ليتابع سيره ويقوم بالتوقيع على وثيقة الزواج كاظما في نفسه الحنق المستعر بداخله. مرة ثانية تحدث المأذون في جدية وهو ينظر للعروسين
ألف مبروك وبالرفاء والبنين.
عاد ممدوح إلى رفيقه احتضنه بتفاخر كأنما يهنئه لكنه همس له في أذنه
عرفت تلعبها صح.
ظن أنه يجامل مهاراته الفذة في اصطياد الفرائس السذج بل ويبدي اعتذارا ضمنيا لاستهانته بقدراته الذكية في حياكة الحيل والألاعيب لنيل مبتغاه في النهاية. تراجع عنه مهاب قليلا وأخبره بنفس الصوت الخفيض مؤكدا له بعنجهية مفرطة
نظر ممدوح من فوق كتفه إلى الضحېة الجديدة المتوارية في مظهر العروس الغاشمة وقال بعدما عاود التحديق إليه
في دي معاك حق.
ربت مهاب على كتفه لعدة مرات ثم تركه بعدئذ ليتحرك تجاه عروسه التي تنتظره وهو في أوج شعوره بالانتصار ليسلط ممدوح نظراته الحانقة عليهما كز على أسنانه وهسهس مع نفسه بلا صوت وبوعيد مغتاظ
لسه الحكاية مخلصتش!
في نفس ذات السيارة التي استقلتها معه كرفيقة عابرة في رحلة قصيرة للمشاركة في أحد المؤتمرات كانت اليوم تجلس لصيقة به تريح رأسها على كتفه وذراعه تطوقها بقوة كأنه يأبى تركها كم أحبت روح التملك هذه فيه خاصة حينما تكون مخصصة لها وحدها! من موضعها رفعت رأسها قليلا وأسبلت عينيها تجاهه مسترسلة في التعبير عما يجيش في صدرها
أنا حاسة إني بحلم وخاېفة أفوق من الحلم ده على آ...
بيده الأخرى الطليقة تلمس طرف ذقنها ثم وضع إصبعه على شفتيه ليسكتها بلطافة وهو يحدثها
ششش ده دوري دلوقت يا حبيبتي إني أخليكي تشوفي السعادة اللي بجد.
رددت بشكل عفوي بهمس حار ودبيب قلبها آخذ في الارتفاع
دكتور مهاب!
عاتبها في رقة
احنا بقينا متجوزين مافيش بينا ألقاب.
اعتدلت في جلستها دون أن تتحرر من ذراعه وقالت في شيء من الخجل المعتذر
معاك حق أنا لسه مش متعودة.
تباطأت سرعة السيارة بالتدريج إيذانا بوصولهما إلى وجهتهما المنشودة فترجل السائق من السيارة ليفتح الباب ل مهاب بينما أسرع عامل استقبال الفندق الشهير تجاه الباب المواجهة له ليفتحه للسيدة الجالسة بالخلف كنوع من إظهار الاحترام لها. انتظرت تهاني زوجها في مكانها دون أن تتعجل بالحركة وذلك لعدم معرفتها بخططه المستقبلية. مد يده تجاهها وخلل أصابعه في كفها لتسعد للغاية بهذا التشابك الحميمي بينهما سحبها معه للداخل وهو يكلمها
مبتسما
تعالي يا حبيبتي.
لمعت عيناها بوهج الحب وسألته وهذه الحمرة النضرة تتسرب إلى بشړة وجهها
إنت واخدني على فين
أجابها وهو يسير معها في البهو الفسيح والأنيق
هنقعد هنا يومين في الفندق عقبال ما الورق يجهز عشان نسافر أوروبا نقضي شهر العسل.
تحمست كثيرا للترف الذي يغدق عليها به منذ اللحظة الأولى واستشعر مهاب تأثير ذلك عليها بقوة ابتسم في انتشاء وتابع وهو يميل ناحيتها ليهمس في أذنها بما حفز الحواس وأوقظها
أنا هعيشك في الجنة معايا.
ابتسمت في حبور مسرور لما فاه به سرعان ما تحول للخجل الحرج وهو يخبرها بهذه العبثية المبطنة بكل ما هو شقي ولعوب
بس تسمحيلي الأول أدخل جنتك.
استأذن بالقدوم للبيت من أجل توضيح الأمور بعد التطورات الأخيرة التي علم بشأنها اضطر لما يقرب من ثلاثة أسابيع أن يؤجل هذا الأمر لكن لا مفر! كان في موقف لا يحسد عليه لا يمتلك من المبررات أو الحجج المقبولة ما يدعم به تصرف شقيقه المشين الذي ظهر في عينه قبل البقية كشخص حقېر وغير أهل لتحمل المسئولية على العكس كان ملاما لأقصى درجة ويستحق كل الھجوم والازدراء. أطرق عوض رأسه وتقبل الأسلوب الحاد من عقيلة وشقيقتها بلا وجه اعتراض. مرة أخرى تحاملت عليه أفكار واحتدته عليه هاتفة بتعصب
طب والمفروض نعمل إيه بعد كده
لم يجرؤ على النظر ناحيتها فأكملت بنفس الصوت المنفعل وهي تلوح بيدها في الهواء
نسيب الناس تنهش في عرضنا عشان أخوك مطلعش راجل!!
حمحم مرددا بوجه يشوبه الخزي
والله ما عارف أقول إيه بدري الغلط راكبه من ساسه لراسه ومهما قولت مش هقدر أعوضكم عن اللي حصل.
أطلقت فيه عقيلة صيحة ڠضبها فهاجت به
ياخويا طالما مش أد الجواز بيربط معاه بنات الناس ليه!
ظل صوتها على حدته وهي تتابع پقهر العاجز
لأ وفي الآخر يرميها رمية الكلاب! أل هي كانت ناقصة!!
ردت عليها أفكار كنوع من المواساة
قولي الحمدلله إنه مدخلش عليها كان زمان المصېبة اتنين.
ما زالت على فجيعتها وهي تخاطبها بحړقة
وهي الناس هتسيبنا في حالنا ده ياما هيتقال وحليني عقبال ما الناس تنسى حكايتها!
حينئذ تحولت أنظار أفكار نحو عوض قاصدة الكلام وهي ترفع سبابتيها في الهواء
منه لله ربنا يخلص منه أشوف فيك يوم يا بدري يا ابن حواء وآدم!
الشقاق الذي أحدثه شقيقه بتصرفه الأرعن جعله يتخذ قرارا لم يكن ليظن أنه سيفعله في يوم ما نطق فجأة بنزق ودون أن يضع في الحسبان تبعات اختياره
خلاص يا ست عقيلة الحل عندي!
نظرت إليه بعينين لائمتين وهتفت وهي تلطم على صدرها
ما خلاص اتفضحنا واللي كان كان!
أكد عليهما بغموض مربك
أنا مرضاش بالڤضيحة لا ليها ولا ليكم.
سألته أفكار بنبرة هازئة وهذه النظرة الاحتقارية تطل من حدقتيها
هتعمل إيه يا عوض هتمسك طبلة وطار وتلف على بيت بيت تقولهم أخويا غلطان!!
هز رأسه قائلا باقتضاب لا يزال مغلفا بالغموض
لأ...
سكت للحظة بحث خلالها عن الجملة المناسبة التي يفصح بها عن نيته الصادقة فلم يجد سوى قوله المباشر والصريح وكامل نظراته مصوبة تجاه عقيلة
أنا هتجوز الست فردوس على سنة الله ورسوله !!!
يتبع الفصل الثاني عشر
الفصل الثاني عشر
جانبه الموحش
انصرف بعدما أبلغ الاثنتين بما قرره ليتركهما في تحير وتردد ظلت الشقيقتان تتداولان فيما بينهما الأمر بجدية تامة ومن كافة الأبعاد والزوايا حتى وصلتا بعد نقاش مستفيض إلى رأي مرض لإحداهما فتشبثت به أفكار وأصرت على إعلام فردوس به اتجهت إليها ومكثت معها في غرفتها ثم بعد تمهيد حذر أطلعتها عليه لكنها أبت وبشدة الانصياع لرغبتها المناهضة لما كانت تريده هي. تمسكت أكثر بعنادها وصاحت في تصميم وهي تبكي
أنا مش موافقة على الكلام د.
احتجت خالتها على ما اعتبرته تدللها السخيف صائحة بها بصوت غاضب وهي تلكزها في كتفها طفيف
إنتي اتهبلتي يا بت دي فرصة يا عبيطة!
تألمت من ضړبتها الشرسة ونظرت لها من بين دموعها الحاړقة ثم أخبرتها پقهر
يعني تيجي إزاي بعد ما كنت مرات أخوه أبقى مراته ده ما يرضيش ربنا.
ردت عليها ببرود مجحف
لأ يرضيه طالما في الحلال يا عين أمك.
هتفت محتجة وسط نهنهات بكائها
ده أمه مكانتش طيقاني وأنا مرات بدري هترضى بيا وأنا مرات أخوه الكبير
علقت عليها بلا أدنى ذرة إشفاق
ما هي سابتلك الجمل بما حمل.
انفطرت في بكاء أكثر إيلاما ومع ذلك لم تكترث بها وواصلت القول بأسلوب أصابها بالنفور أكثر
وفيها إيه ده المثل بيقول تبقى في إيدك وتقسم لغيرك.
كفكفت دمعها المسال بغزارة بكم قميصها المنزلي وهتفت في إصرار رافض
والله العظيم اللي بيحصل فيا ده حرام.
تعاطفت عقيلة إلى حد ما مع حال ابنتها البائس فقالت بشيء من التردد
مالوش لازمة الموضوع ده يا أفكار نفضنا سيرة منه ده حتى الناس هتقول عننا إيه بس!
سلطت نظراتها الجامدة عليها وقالت بلا تأثر
محدش ليه حاجة عندنا هما كانوا نفعونا لما البت اتطلقت
عجزت عن التعليق عليها فاستمرت في ضغطها القاسې بترديدها المتعمد
ده بالعكس طلعوا حوارات وكلام مش مظبوط عن البت.
التلميح بأمر كهذا في جملتها الأخيرة كان كفيلا بإشعال جذوة ڠضب فردوس خاصة أنه نوع من الافتراء الظالم عليها لذا انتفضت صاړخة بما يشبه الثورة رغم بكائها الموجع لتنفي التهمة الباطلة عنها
أنا أشرف من الشرف.
حدجتها خالتها بهذه النظرة القاسېة قبل أن تقول بنبرة ذات تورية خطېرة
ده قصادي أنا وأمك بس باقي الناس هنا دماغهم رايحة فين
ردت عليها بهدير منفعل
ولما أتجوزه هيسكتوا ده ما هيصدقوا ينهشوا فيا بزيادة!
قالت ببساطة وهي تشير لها بيدها
حلال ربنا محدش يقدر يتكلم فيه.
بعدما كانت تتخذ موقف المشاهد الصامت تكلمت عقيلة أخيرا ونطقت بما صدم ابنتها
إنتي معاكي حق ياختي احنا نقفل الباب ده خالص!
شهقت فردوس مصعوقة لتأييدها المزعوم لهذا القرار وصاحت معترضة